فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {أَرَءيْتَ الذي يُكَذّبُ بالدين}
قرأ الكسائي، {أَرَأَيْتَ} بغير ألف.
وقرأ نافع بالألف بغير همزة، والباقون بالألف والهمزة، {أَرَأَيْتَ}.
وهذه كلها لغات العرب، واللغة المعروفة بالألف والهمزة، ومعناه ألا ترى يا محمد صلى الله عليه وسلم هذا الكافر الذي يكذب بالدين يعني: بيوم القيامة.
وقال: معناه ما تقول يا محمد في هذا الكافر، الذي يكذب بيوم القيامة، فكيف يكون حاله يوم القيامة.
وقال قتادة: نزلت في وهب بن عايل، وقال جعدة بن هبيرة: نزلت في العاص بن وائل، ويقال: هذا تهديد لجميع الكفار.
ثم قال عز وجل: {فَذَلِكَ الذي يَدُعُّ اليتيم} يعني: يدفع اليتيم عن حقه، ويقال: يمنع اليتيم حقه ويظلمه {وَلاَ يَحُضُّ على طَعَامِ المسكين} يعني: لا يحث على طعام المسكين، ويقال: لا يطعم المسكين.
ثم قال عز وجل: {فَوَيْلٌ لّلْمُصَلّينَ} يعني: للمنافقين {الذين هُمْ عَن صلاتهم سَاهُونَ} يعني: لاهين عنها حتى يذهب وقتها.
{الذين هُمْ} الناس بالصلاة، ولا يريدون بها وجه الله تعالى، حتى إذا رأوا الناس صلوا، وإذا لم يروا الناس لم يصلوا.
قوله تعالى: {يُرَاءونَ وَيَمْنَعُونَ الماعون} قال مقاتل: يمنعون الزكاة، والماعون بلغة الحبش المال.
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: يراؤون بصلاتهم، ويمنعون الزكاة.
ويقال: الماعون يعني: المعروف كله، الذي يتعاطاه الناس فيما بينهم.
وعن أبي عبيد قال: سألت عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه عن الماعون، قال: الماعون ما يتعاطاه الناس فيما بينهم، مثل الفأس والقدوم والقدر والدلو ونحو ذلك.
وروى وكيع، عن سالم بن عبد الله.
قال: سمعت عكرمة يقول: الماعون: الفأس، والقدوم، والقدر، والدلو.
قلت: من منع هذا فله الويل.
قال من راءى بصلاة وسها عنها، ومنع هذا فله الويل.
وقال القتبي: الماعون الزكاة، ويقال: الماعون هو الماء والكلأ.
وروي عن الفراء أنه قال: هو المال، والله تعالى أعلم بالصواب. اهـ.

.قال الثعلبي:

سورة الماعون:
{أَرَأَيْتَ الذي يُكَذِّبُ بالدين}
قال مقاتل والكلبي: نزلت في العاص بن وائل السهمي، السدي ومقاتل بن حيان وابن كيسان: يعني الوليد بن المغيرة، الضحاك: في عمرو بن عائد بن عمران بن مخزوم، وقيل: هيبرة بن أبي وهب المخزومي، ابن جريح: كان أبو سفيان بن حرب ينحر كل أسبوع جزورين فأتاه يتيم فسأله شيئًا فقرعه بعصاه، فأنزل الله سبحانه فيه {أَرَأَيْتَ الذي يُكَذِّبُ بالدين} {فَذَلِكَ الذي يَدُعُّ اليتيم} أي يقهره ويزجره ويدفعه عن حقّه، الدع: الدفع في جفوة.
قرأ أبو رجاء يدع اليتيم أي يتركه ويقصر في حقه {وَلاَ يَحُضُّ على طَعَامِ المسكين فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الذين هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ} حدّثنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا ابن الشرقي قال: حدّثنا محمد ابن إسحاق الصعالي ببغداد قال: حدّثنا عمرو بن الربيع بن طارق قال: حدّثنا عكرمة بن إبراهيم عن عبد الملك بن عمير عن مصعب بن سعيد عن سعيد قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله سبحانه: {الذين هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ} قال ابن عباس: هم المنافقون يتركون الصلاة في السرّ إذا غاب الناس ويصلونها في العلانية إذا حضروا. بيانه قوله سبحانه: {وَإِذَا قاموا إِلَى الصلاة قَامُواْ كسالى يُرَاءُونَ الناس} [النساء: 142] الآية، مجاهد: لاهون غافلون عنها متهاونون بها، وقال قتادة: ساه عنها لا يبالي صلى أم لم يصل.
وأخبرني عقيل أن أبا الفرج أخبرهم عن ابن جرير قال: حدّثنا أبو كريب قال: حدّثنا معاوية بن هشام عن شيبان النحوي عن جابر الجعفي قال: حدّثني رجل عن أبي بردة الأسلمي قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية {الذين هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ}: الله أكبر هذه خير لكم من أن لو أعطى كل رجل منكم مثل جميع الدنيا هو الذي إن صلى لم يرج خير صلواته وأن تركها لم يخف ربه» وبه عن ابن جرير قال: حدّثني أحمد بن عبد عبد الرحيم البرقي قال: حدّثنا عمرو بن أبي مسلمة قال سمعت عمر بن سليمان يحدّث عن عطاء بن دينار أنه قال: الحمد لله الذي قال: و{الذين هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ} ولم يقل في صلاتهم، الحسن: هو الذي إن صلاّها صلاها رياء وأن فاتته لم يندم، أبو العالية: لا يصلونها لمواقيتها ولا يتمّون ركوعها ولا سجودها، وعنه أيضًا: هو الذي إذا سجد قال برأسه هكذا وهكذا ملتفتًا، الضحاك: هم الذين يتركون الصلاة.
{وَيَمْنَعُونَ الماعون} أخبرنا أبو بكر الجمشادي حدّثنا أبو بكر القطيعي قال: حدّثنا إبراهيم بن عبد الله بن مسلم قال: حدّثنا أبو عمر الضرير قال: حدّثنا أبو عوانة عن إسماعيل السهمي عن أبي صالح عن علي رضي الله عنه {وَيَمْنَعُونَ الماعون} قال: هي الزكاة، وإليه ذهب ابن عمر والحسن وقتادة وابن الحنفية والضحاك.
وأخبرنا الجمشادي قال: أخبرنا العطيفي قال: حدّثنا إبراهيم بن عبد الله بن مسلم قال: حدّثنا أبو عمر الضرير قال: حدّثنا حماد عن عاصم عن زر عن عبد الله في الماعون قال: الفاس والدلو والقدر وأشباه ذلك وهي رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس، مجاهد عنه: هو العارية ومتاع البيت، عطية عنه: هو الطاعة، محمد بن كعب والكلبي: الماعون المعروف كله الذي يتعاطاه الناس فيما بينهم، سعيد بن المسيب والزهري ومقاتل: الماعون: المال بلغة قريش، قال الأعشى:
بأجود منه بماعونه ** إذا ما سماؤهم لم تغم

وأخبرنا محمد بن عبدوس في آخرين قالوا: حدّثنا محمد بن يعقوب قال: حدّثنا محمد بن الجهم قال: حدّثنا الفراء قال: سمعت بعض العرب يقول: الماعون هو الماء، وأنشدني فيه:
يمج صَبيْرة الماعون صبًا

والصبير: المنجاب.
وقال أبو عبيد والمبرد: الماعون في الجاهلية: كلّ منفعة وعطية وعارية، وهو في الإسلام: الطاعة والزكاة، قال حسان بن قحافة: لا يحرم الماعون منه الخابطًا، ويقول العرب: ولقد نزلنا لصنعت بناقتك صنيعًا تعطيك الماعون، أي الطاعة والإنقياد، قال الشاعر:
متى يجاهدهن بالبرين ** يخضعن أو يعطين بالماعون

وحكى الفراء أيضًا عن بعضهم أنه قال: ماعون من الماء المعين، وقال قطرب: أصل الماعون من القلّة، يقول العرب: ماله سعنة ولا معنة أي شيء قليل، فسمّى الزكاة والصدقة والمعروف ماعونًا، لأنه قليل من كثير، وقيل: الماعون ما لا يحل منعه مثل الماء والملح والنار، يدلّ عليه ما أخبرنا ابن فنجويه قال: حدّثنا عمرو بن مرداس قال: حدّثنا محمد بن بكر قال: حدّثنا عثمان بن مطر عن الحسن بن أبي جعفر عن علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيّب عن عائشة أنّها قالت: يا رسول الله ما الذي لا يحلّ منعه قال: «الماء والملح والنار».
فقالت: يارسول الله هذا الماء فما بال النار والملح؟ فقال لها: يا حميراء «من أعطى نارًا فكأنما تصدّق بجميع ما طبخ بذلك النار، ومن أعطى ملحًا فكأنما تصدق بجميع ما طيّب بذلك الملح، ومن سقى شربة من الماء حيث يوجد الماء فكأنما أعتق (ستين نسمة)، ومن سقى شربة ماء حيث لا يوجد الماء فكأنما إحيا نفسًا» قال الراعي:
قومٌ على الإسلام لمّا يمنعوا ** ماعونهم ويمنعوا التهليلا

. اهـ.

.قال الزمخشري:

سورة الماعون مكية.
ثلاث آيات الأول، مدنية البقية.
وآياتها 7.
نزلت بعد التكاثر.
بسم الله الرحمن الرحيم

.[سورة الماعون: الآيات 1- 7]

{أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بالدين (1) فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ اليتيم (2) وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ (7)}
قرئ: {أريت}، بحذف الهمزة، وليس بالاختيار، لأن حذفها مختص بالمضارع، ولم يصح عن العرب: ريت، ولكن الذي سهل من أمرها وقوع حرف الاستفهام في أوّل الكلام. ونحوه:
صاح هل ريت أو سمعت براع ** ردّ الضّرع ما قرى في الحلاب

وقرأ ابن مسعود: {أرأيتك}، بزيادة حرف الخطاب، كقوله: {أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ على} والمعنى: هل عرفت الذي يكذب بالجزاء من هو؟ إن لم تعرفه {فَذلِكَ الَّذِي يكذب} بالجزاء، هو {الذي يَدُعُّ اليتيم} أى: يدفعه دفعا عنيفا بجفوة وأذى، وبردّه ردّا قبيحا بزجر وخشونة.
وقرئ: {يدع}، أى: يترك ويجفو {وَلا يَحُضُّ} ولا يبعث أهله على بذل طعام المسكين، جعل علم التكذيب بالجزاء منع المعروف والإقدام على إيذاء الضعيف، يعنى: أنه لو آمن بالجزاء وأيقن بالوعيد، لخشى اللّه تعالى وعقابه ولم يقدم على ذلك، فحين أقدم عليه: علم أنه مكذب، فما أشده من كلام، وما أخوفه من مقام، وما أبلغه في التحذير من المعصية وأنها جديرة بأن يستدل بها على ضعف الإيمان ورخاوة عقد اليقين، ثم وصل به قوله: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} كأنه قال: فإذا كان الأمر كذلك، فويل للمصلين الذين يسهون عن الصلاة قلة مبالاة بها، حتى تفوتهم أو يخرج وقتها، أو لا يصلونها كما صلاها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم والسلف ولكن ينقرونها نقرا من غير خشوع وإخبات، ولا اجتناب لما يكره فيها: من العبث باللحية والثياب وكثرة التثاؤب والالتفات، لا يدرى الواحد منهم عن كم انصرف، ولا ما قرأ من السور، كما ترى صلاة أكثر من ترى الذين عادتهم الرياء بأعمالهم ومنع حقوق أموالهم.
والمعنى: أنّ هؤلاء أحق بأن يكون سهوهم عن الصلاة- التي هي عماد الدين، والفارق بين الإيمان والكفر والرياء الذي هو شعبة من الشرك، ومنع الزكاة التي هي شقيقة الصلاة وقنطرة الإسلام- علما على أنهم مكذبون بالدين. وكم ترى من المتسمين بالإسلام، بل من العلماء منهم من هو على هذه الصفة، فيا مصيبتاه. وطريقة أخرى: أن يكون {فَذلِكَ} عطفا على {الَّذِي يُكَذِّبُ} إمّا عطف ذات على ذات، وصفة على صفة، ويكون جواب {أَرَأَيْتَ} محذوفا لدلالة ما بعده عليه، كأنه قيل: أخبرنى، وما تقول فيمن يكذب بالجزاء؟ وفيمن يؤذى اليتيم ولا يطعم المسكين؟ أنعم ما يصنع؟ ثم قال: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} أي إذا علم أنه مسيء، فويل للمصلين، على معنى: فويل لهم، إلا أنه وضع صفتهم موضع ضميرهم، لأنهم كانوا مع التكذيب وما أضيف إليهم ساهين عن الصلاة مرائين، غير مزكين أموالهم.
فإن قلت: كيف جعلت المصلين قائما مقام ضمير الذي يكذب، وهو واحد؟
قلت: معناه الجمع، لأنّ المراد به الجنس.
فإن قلت: أي فرق بين قوله: {عَنْ صَلاتِهِمْ} وبين قولك {فِي صَلاتِهِمْ}
قلت: معنى {عَنْ}: أنهم ساهون عنها سهو ترك لها وقلة التفات إليها، وذلك فعل المنافقين أو الفسقة الشطار من المسلمين.
ومعنى فِي: أنّ السهو يعتريهم فيها بوسوسة شيطان أو حديث نفس، وذلك لا يكاد يخلو منه مسلم، وكان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقع له السهو في صلاته فضلا عن غيره، ومن ثم أثبت الفقهاء باب سجود السهو في كتبهم.
وعن أنس رضى اللّه عنه: الحمد للّه على أن لم يقل في صلاتهم.
وقرأ ابن مسعود: {لاهون}.
فإن قلت: ما معنى المراءاة؟
قلت: هي مفاعلة من الإراءة، لأنّ المرائى يرى الناس عمله، وهم يرونه الثناء عليه والإعجاب به، ولا يكون الرجل مرائيا بإظهار العمل الصالح إن كان فريضة، فمن حق الفرائض الإعلان بها وتشهيرها، لقوله عليه الصلاة والسلام «ولا غمة في فرائض اللّه»، لأنها أعلام الإسلام وشعائر الدين، ولأن تاركها يستحق الذم والمقت، فوجب إماطة التهمة بالإظهار، وإن كان تطوعا، فحقه أن يخفى، لأنه مما لا يلام بتركه ولا تهمة فيه، فإن أظهره قاصدا للاقتداء به كان جميلا، وإنما الرياء أن يقصد بالإظهار أن تراه الأعين، فيثنى عليه بالصلاح.
وعن بعضهم: أنه رأى رجلا في المسجد قد سجد سجدة الشكر وأطالها، فقال: ما أحسن هذا لو كان في بيتك، وإنما قال هذا لأنه توسم فيه الرياء والسمعة، على أن اجتناب الرياء صعب إلا على المرتاضين بالإخلاص. ومن ثم قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «الرياء أخفى من دبيب النملة السوداء في الليلة المظلمة على المسح الأسود».
{الْماعُونَ} الزكاة، قال الراعي:
قوم على الإسلام لمّا يمنعوا ** ماعونهم ويضيّعوا التّهليلا

وعن ابن مسعود: ما يتعاون في العادة من الفأس والقدر والدلو والمقدحة ونحوها.
وعن عائشة الماء والنار والملح، وقد يكون منع هذه الأشياء محظورا في الشريعة إذا استعيرت عن اضطرار، وقبيحا في المروءة في غير حال الضرورة.
عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة أرأيت غفر اللّه له إن كان للزكاة مؤديا». اهـ.